![]() |
السنن النبوية المهجورة |
لقد شرع الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين سننًا وآدابًا كثيرة في مختلف شؤون الحياة، تهدف إلى تحقيق الخير والفلاح للأمة في الدنيا والآخرة.
ومن بين هذه السنن ما يُعرف بالسنن المهجورة، وهي التي تركها كثيرٌ من الناس وتركوها رغم فضلها العظيم، والسنن المهجورة كثيرةٌ جداً، منها سنن متعلقة بالعبادات ككثرة الصلاة في المسجد، وسنن متعلقة بالأخلاق كبر الوالدين، وسنن متعلقة بالأذكار والدعوات.
وقد حذّرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من إهمال هذه السنن، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ".
فما أهمية إحياء السنن المهجورة؟ وما الآثار المترتبة على إهمالها؟ وكيف يمكن للمسلم المعاصر أن يحييها في واقع حياته؟
هذا ما سنتناوله في هذا المقال سائلين المولى عز وجل أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.
تعرّف على السنن المهجورة
![]() |
سنن مهجورة نافعة |
السنن والآداب والأعمال المستحبة التي حثّ عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومارسها الصحابة -رضي الله عنهم-، إلا أن كثيرًا من المسلمين اليوم قد تركوها وأهملوها.
سنن مهجورة نافعة ومن أمثلتها
كثرة ذكر الله والأذكار، وقيام الليل، وصيام الاثنين والخميس، وإطعام الطعام، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والمبادرة بالصلح بين المتخاصمين، وحسن الجوار، وكثرة الاستغفار، وغيرها الكثير.
أهمية هذه السنن في عدة أمور:
أنها جزء لا يتجزأ من التشريع الإسلامي الذي جاء لهداية البشر وصلاحهم.
لها فضل عظيم عند الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها".
إحياؤها يثمر الخير الكثير للفرد والمجتمع، وفي إهمالها ضياعٌ للكثير من البركات.
الحاجة الماسة إليها في زمان الشرور وانتشار المنكرات؛ ليتحصّن المسلمون بها من الوقوع في الذنوب.
السنن تعين على التمسك بكتاب الله عز وجل، فهي تفسير عملي لآيات القرآن، فمن يهملها يكون قد أهمل جانبًا مهمًا من فهم الدين.
الالتزام بهذه السنن يقوي الإيمان في قلب المسلم، ويزيد من حبه لرسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فتكون حصنًا من الوقوع في المعاصي والذنوب.
ممارسة هذه السنن تعين المسلم على تربية نفسه على الاتباع التام لتعاليم الدين، وتدربه على بذل الجهد في سبيل الله.
إحياء هذه السنن يجعل المجتمع المسلم مجتمعًا ربانيًا، يسوده الأمن والطمأنينة والرحمة، وتنتشر فيه الفضيلة.
السنن تعين على نيل شفاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة".
إليك بعض الأمثلة المفصلة عن السنن المهجورة
![]() |
أمثلة على السنن المهجورة |
1- صيام يوم الاثنين ويوم الخميس
وهو من السنن المهجورة المتعلقة بالعبادات التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحافظ عليها، ويحث أصحابه على فعلها، وروى أن لصيام يوم الاثنين فضلًا كبيرًا، حيث يعدل صيام سنة، وأما صيام الخميس ففيه فضل كبير أيضًا.
الدليل من السنة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم الاثنين والخميس".
2- كثرة الصدقة وإطعام الطعام
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته: فتحمله عليها، أو ترفع له متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة".
3- كثرة الاستغفار
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أيها الناس، توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
4- بر الوالدين وصلة الأرحام
وهي من أهم السنن وأوجب الواجبات بعد الإيمان والصلاة والصيام وغيرها من أركان الدين، إلا أن كثيرًا من المسلمين قد أهملوها، ولم يقدروها حق قدرها.
الدليل من السنة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد".
5- سنة تسوية الصفوف في الصلاة
فضّل النبي صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف وضم بعضها إلى بعض حتى لا تكون هناك فرجات، وذلك من كمال الصلاة في الجماعة، إلا أن الكثير من المصلين الآن لا يعيرون اهتمامًا لذلك.
الدليل من السنة: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بيننا القداح".
6- سنة صلاة الضحى وقيام الليل
وهما من أفضل السنن وأجلّها، لكن الكسل دفع الكثيرين لتركهما مع ما في ذلك من الخسارة العظمى.
7- سنة المبادرة بالصلح بين المتخاصمين
وهي من أعظم القربات، إلا أن محبة الذات تمنع كثيرين من أدائها كما ينبغي.
الدليل من السنة: عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصوم والصلاة والصدقة؟"، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إصلاح ذات البين".
8- سنة حسن الجوار وإهداء الهدايا
وذلك من مكارم الأخلاق، غير أن كثرة الأنانية سببت ضياع هذه السنة العطرة.
الدليل من السنة: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هدية المسلم لجاره هدية".
9- سنة الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر
وفي ذلك حصن من الشيطان ونفرته، إلا أن مفارقة الجماعات أضاعت على الكثيرين هذه السنة الفاضلة.
الدليل من السنة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة".
أهم الأسباب التي أدت لإهمال الناس السنن المهجورة في وقتنا الحاضر
ضعف الوازع الديني والإيماني عند كثير من الناس، مما جعلهم لا يلتفتون لهذه السنن ويهملون فضلها.
انشغال الناس بالدنيا وملذاتها والسعي وراء جمع المال، فلم يجدوا وقتًا لممارسة تلك السنن.
انتشار الجهل بأحكام الدين بين عامة المسلمين، وقلة العلماء الربانيين.
تأثر كثير من المسلمين بالعادات السيئة وأساليب الحياة الغربية البعيدة عن تعاليم الإسلام.
غلبة نزعة التساهل والتهاون في التمسك بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم.
انتشار وسائل اللهو والتسلية والمنكرات بين الشباب المسلم.
تفكك الروابط الاجتماعية بين المسلمين مما قلل من التعاون على البر والتقوى.
أبرز آثار إهمال السنن المهجورة على الفرد والمجتمع
![]() |
السنن المهملة وأهميتها |
أولاً: على الفرد:
إضاعة فرصة عظيمة للتقرب إلى الله وكسب الأجر والفضل الموعود بالسنن.
ضعف إيمان الفرد وتدني مستوى ورعه.
زيادة ارتكاب المحرمات والوقوع في المنكرات.
ظهور آثار سلبية في سلوك الفرد وشخصيته وتعامله مع الآخرين.
يحرم الفرد من الشفاعة والعفو والثواب الجزيل لمن يحيي سنن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يعرض الفرد نفسه لسخط الله والوعيد والعقاب لتفريطه في هذا الحق.
يصاب بالهم والغم والأحزان لما يلاقيه من شدائد الحياة لفقدان السنن الميسرة والمعينة.
ثانياً: على المجتمع:
زيادة الخلل الاجتماعي وضعف الترابط والتكافل بين الناس.
انتشار الرذائل والفساد الأخلاقي والرشوة والمحاباة.
تفكك الروابط الأسرية والأهلية وانتهاء المودة والرحمة بين الناس.
انتشار الفقر والجريمة والأمراض الاجتماعية.
تكاثر الزلازل والكوارث والأوبئة في المجتمع بسبب مخالفة أوامر الدين.
انهيار القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية في المجتمع، وانتشار الجرائم بكل أنواعها.
فشل محاولات الإصلاح في المجتمع لابتعاده عن منهج الله وسبيله.
إحياء السنن المهجورة والعودة إلى ممارستها
![]() |
كيفية احياء السنة النبوية جم |
أولاً- على مستوى الأفراد:
تجديد الالتزام بأركان الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج، فهي المدخل للتمسك بسائر السنن.
تنقية النية والسعي لمرضاة الله عز وجل في الأعمال وترك الرياء.
تخصيص وقت لتلاوة القرآن والاستماع للعلماء الربانيين لتعلم السنن وكيفية إحيائها.
مداومة الاستغفار والتوبة النصوحة من الذنوب التي تحول دون ممارسة السنن.
ثانياً- دور المؤسسات والمجتمع:
أن تتبنى المساجد ومراكز العلم برامج منتظمة لتعليم السنن وتدريب الناس عليها.
أن يحرص الوعاظ والدعاة على التركيز على السنن في خطبهم ومحاضراتهم، ويدعون إلى إحيائها.
نشر الوعي في وسائل الإعلام بأهمية السنن وضرورة التمسك بها.
تفعيل دور المدارس والجامعات في غرس السنن لدى الطلاب وتعويدهم على ممارستها.
ختاما: إن السنن النبوية المهجورة كنز ثمين من كنوز الإسلام، جاء بها خير البشر -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعالمين، فحريٌ بنا أن نعمل على إحيائها وإقامتها في مجتمعاتنا وبين أفرادنا، وذلك من أجل صلاح الأمة وسعادتها في الدارين.
والمطلوب منا تضافر الجهود والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد من جميع مؤسساته المختلفة؛ فيحرص كلٌّ بحسب موقعه على القيام بدورٍ مميز في هذا الجانب بتعليم هذه السنن وتعويد الناس عليها ومساعدتهم على تطبيقها.
فلنبادر جميعًا إلى إحياء هذا الدين العظيم القائم على منهج الاعتدال والوسطية والرحمة راجين من الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق